الثلاثاء، 22 سبتمبر 2015

استقبال عيد الأضحى والاستفادة




عيد الأضحى المبارك هو العيد الذي يحييه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بأداء صلاة العيد وتقديم أضحياتهم اقتداء بنبيهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وإحياء لسنة إبراهيمية يبدو فيها جليا الترابط العضوي بين رسالات السماء وأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام فهم جميعهم يدعون إلى رسالة واحدة وهي رسالة التوحيد قال عليه الصلاة والسلام (أفضل ما قلت أنا والنبيون منن قبلي لا اله إلا الله) وكل الأديان في جوهرها هي إسلام بالمعنى العميق للكلمة أي إسلام الوجه لله رب العالمين وقد أوصى كل الأنبياء أبناءهم ومن تبعهم بالإسلام ويبدو الترابط وثيقا بين ما دعا إليه سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام وما دعا إليه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو ترابط حتى في المكان فإلى مكة المكرمة هاجر إبراهيم الخليل وفي مكة ترك إبراهيم الخليل فلذة كبده إسماعيل وأمه في ذلك الوادي غير ذي الزرع لا أنيس لهما إلا الله والى مكة عاد إبراهيم الخليل حيث أمر بان يقيم هو وابنه إسماعيل القواعد من البيت (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهرا بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الإنعام فكلوا منها واطعموا البائس والفقير).
فبالحج الذي هو احد أركان الإسلام أذن إبراهيم الخليل عليه السلام ومر الزمان ليبعث بآخر الأديان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويكون الحج احد أركان الإسلام (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا...).
وبقي الحج منذ أصبح ركنا من أركان الإسلام يؤدى هناك في مكة المكرمة (طواف بالكعبة المشرفة وصلاة في مقام إبراهيم وارتواء من ماء زمزم الذي فجره الله تكريما للطفل إسماعيل الذي كاد يهلك من العطش وحوله أمه هاجر التي كانت تهرول بين الصفا والمروة التي يسعى بينها حجيج بيت الله الحرام وعلى عرفات يقف الحجيج شعثا غبرا في ثياب موحد ابيض غير مخيط ولا محيط ينتظرون الجائزة الكبرى التي وعدهم بها ربهم حيث بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يتجلى على عباده من حجيج بيت الله الحرام فيباهي بهم ملائكته ويشهدهم بأنه غفر لهم فيخرج الحجيج كل عام من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
  • جائزة عظمى وهدية كبرى يهون معهما كل ما يبذله الحجيج من تضحيات وركوب للصعاب و(السفر قطعة من عذاب) وليس بالهين بذل الأموال ومغادرة الأهل والوطن إذا لم يكن من اجل نيل مثل هذه الجائزة الكبرى.
فمن من عباد الله في غنى عن أن تمحى خطاياه وسيئاته ويبدأ بعد الحج حياة جديدة قوامها الإقبال على الله بالكلية وبكل صدق وإخلاص في ما بقي من العمر؟.
لهذه الغاية ولهذا الهدف ولنيل هذا الجزاء يشد الحجيج الرحال إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة وتشتد أشواقهم في سبيل أن يكونوا من ضيوف الرحمان فالحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة.
وينزل حجيج بيت الله الحرام إلى مزدلفة بعد أن تغرب عليهم شمس يوم التاسع من ذي الحجة وهم على عرفات (والحج عرفة) ومن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج ولأجل ذلك يتكرر الإلحاح توعية للحجيج بأن يتهيؤوا لهذا اليوم العظيم وان لا يستعجلوا بالنفرة من عرفة قبل أن تغرب عليهم شمس يوم التاسع فلا بد من البقاء جزءا من الليل على عرفات ثم يقع الانطلاق إلى مزدلفة في مشهد لا يمكن وصفه فالجميع في فرحة وسرور يسارعون الخطى لآداء صلاتي المغرب والعشاء والدعاء عند المشعر الحرام قبل الانطلاق يوم العيد إلى منى هناك في الوادي لرمي جمرة العقبة ثم ليقع التحلل الأصغر بعد ذلك ولتتم الفرحة وفرحة الحجيج فرحتان: فرحة بالعيد وفرحة بتمام الحج أو يكاد. فبينما الحجيج يرمون جمرة العقبة ويستحضرون مشهد إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام وهما يمتثلان لأمر الله جل وعلا هذا الأمر المتمثل في ذبح إبراهيم لابنه إسماعيل حيث قص الأب ما رآه في المنام (ورؤيا الأنبياء وحي) (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) وكان الجواب من الابن البار الصابر المصابر (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) يا له من صبر من الأب وصبر من الابن هو درس وعبرة لمن يعتبر فلولا قوة العزيمة وقوة الجأش ولولا صلابة الإيمان وقوته ورسوخه لما أقدم إبراهيم الأب على ذبح ابنه وفلذة كبده إسماعيل انه امتحان واختبار وتمحيص وابتلاء والأنبياء اشد الناس بلاء، انه بلاء يثبتهم الله به فيصبرون ويصابرون ويرابطون وقد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم (واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) وأولو العزم هو نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وخاتمهم هو سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي تحمل أذى شديدا من الأقارب والأباعد فما بدل ولا غير وما ذلك إلا لتثبيت الله له (اصبر وما صبرك إلا بالله).
وعندما عزم كل من الأب إبراهيم والابن إسماعيل على تنفيذ أمر الله تراءى لهما الشيطان واخذ يحاول الإغراء والإغواء بالتحنن والنصح وبالتأويل فما افلح، انحنى إبراهيم الخليل عليه السلام على حصيات التقطها من الأرض ورمى بها الشيطان اللعين، رجمه إرضاء للرحمان وعندما صدق العزم من الأب وابنه فدى الله الابن إسماعيل بكبش ذبحه إبراهيم فداء لابنه ظل سنة ماضية إلى اليوم يحييها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اقتداء بنبيهم سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي ضحى بكبشين أقرنين احدهما عليه وعلى آله وأهله والثاني على الفقراء من أمته عبر الزمان والمكان.
إذا كان الحجيج وهم يرمون الجمرات في منى أيام العيد (العيد واليومين اللذين بعده) يستحضرون هذه المعاني فان إخوانهم من المسلمين في مشارق الأرض مغاربها وهم يحيون هذه السنة ويقدمون أضحياتهم عن طيب خاطر يشاركونهم في استحضار الصراع الذي دار بين إبراهيم الخليل وإسماعيل عليهما السلام من ناحية وبين الشيطان اللعين وانتصار إبراهيم وإسماعيل على الشيطان إذ كل المسلمين يعيشون صراعا مريرا يوميا مع أنفسهم الأمارة بالسوء ومع الشيطان فكل منهما (النفس والشيطان) يحاولان جاهدين بان يحولا بين المسلم وبين فعل للخير ويعملان جاهدين لإغواء الإنسان ودفعه إلى فعل الشر وإغضاب الله بإتباع الهوى المهلك وكثيرا ما يفلحان فيجعلان من المسلم عبدا لهواه وللشيطان وليس عبدا للرحمان. فالشيطان الذي يرجمه الحجيج يستحضرون عداوته وإغواءه، هذا الشيطان هو للجميع بالمرصاد فهو العدو الألد لآدم أخرجه من الجنة، فالصلاح والفلاح والنجاة من العذاب في طرده ولعنه والابتعاد عن كل ما يأمر به ويدعو إليه ذلك هو ما ينبغي أن لا يغيب عن أذهان الحجيج هناك وهم يؤدون المناسك حيث عليهم أن يعودوا من حجهم بعزم قوي على أن يظلوا أعداء ألداء للشيطان لا يتبعون إغواءاته ولا يعودون إلى ما كانوا يأتونه من المعاصي والذنوب فذلك هو (الحج المبرور الذي ليس له ثواب إلا الجنة) وعلامته أن تكون حال الحاج مع ربه بعد الحج وعند العودة أفضل وأحسن مما كانت عليه قبل الحج وكذلك فان المسلمين وهم يحيون سنة الأضحى ينبغي أن يظل المغزى والموعظة والعبرة هو التضحية ليس بالكبش بل التضحية بالهوى والشهوة وما يأمر به الشيطان وما يدعو إليه من عداوة بغضاء وحقد وحسد وكراهية وبخل وجبن وشر وضرر وكل ذلك وارد وقوعه من الإنسان ولا عمل للشيطان إلا أن يدفعنا إلى هذه الأفعال التي ليس فيها أدنى مصلحة بل هي عين المهلكة. وهذا الدرس من الأضحية هو الذي ينبغي الإلحاح عليه في الخطب والمواعظ وفي الدروس فما نراه من تنافس وتكاثر وتفاخر في اقتناء الأضحيات والتباهي بها لا يمت إلى حقيقة ومغزى الأضحية أن الأضحية سنة جعلتها العادات والأعراف تصبح تكليفا بما هو فوق الطاقة ودين الله مبني على التيسير (يريد الله بكم اليسر لا يريد بكم العسر) إن الأضحية سنة للقادر عليها أما غير القادر فغير مطالب بها خصوصا إذا كانت على حساب ضروريات عيشه وعيش عائلته انه سيدخل حينئذ تحت طائلة الديون التي لا يستطيع أداءها فيدخل تحت طائلة المحظور والمنهي عنه من أكل أموال الناس والمماطلة في أداء الدين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على جنازة صاحبها عليه دين لم يؤده ولم يتحمله عليه احد من إخوانه والفهم الصحيح هو أن الأضحية هي سنة ليس على من تركها لعدم القدرة عليها أدنى مؤاخذة وذلك هو الذي دفع ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن يبعث من يشتري لحما في يوم العيد ويقول للناس هذه أضحية ابن عباس وهو من هو علما وتقوى ومن دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
إن التنافس والتكاثر والتباهي والتفاخر وتكليف النفس بما هو فوق طاقتها هو ما ينبغي توعية المسلمين بأنه لا يمت إلى حكمة مشروعية الأضحية بأية صلة.
أما إذا قدر المسلم على أداء هذه السنة فله من الأجر والثواب بعدد قطرات الدم التي تهرق وعلى عدد شعراتها وأصوافها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن يكون قد أدى صلاة العيد هذه السنة التي ينبغي الحرص على أدائها لما فيها من تقوية للحمة الأخوة بين المسلمين فاجتماع المصلين صبيحة العيد في المساجد والمصليات وأداؤهم لهذه السنة فرحين ومسرورين وتبادلهم للتهاني بالعيد ثم يبادرون إلى أضحياتهم فيذبحونها فيأكلون منها ويكرمون منها أضيافهم من ذوي أرحامهم وجيرانهم وأحبابهم ويتصدقون من هذه الأضحيات على من حولهم من الفقراء أو المحتاجين ممن منعتهم قلة ذات اليد من أن يقدموا أضحيات مثلهم هو مما يكتب الله لهم به الحسنات فالعيد فرصة لتجسيم معاني التآزر والتضامن التي يضاعف الله بها الأجر والثواب وبذلك يجسم المسلمون تعاليم دينهم وهدي نبيهم الكريم عليه الصلاة والسلام الذي شبههم بالجسد الواحد وبالبنيان المرصوص ووعدهم بعظيم الأجر وجزيل الثواب (ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء) (الراحمون يرحمهم الرحمان) (من فرج على مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وما أكثرها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام التي تدعو المسلم إلى البذل والعطاء بسخاء وبدون منّ وهي خير ما يوجه به المسلمون وخير ما يذكرون به في هذه الأيام من اجل أن يجعلوا من العيد فرصة لتجسيم التآخي والتحابب والتراحم ليباهي بهم الله ملائكته وليستحقوا جزاءه الأوفى والأوفر الذي وعد به المتحابين والمتآخين.
إن تجسيم قيم التضامن والتآزر في أيام العيد هي إحدى حكم العيد والأضحية وإحدى مغازيهما.
وتشتد يوما بعد يوم الحاجة إلى تعميق الوعي بقيمة التضامن والتآزر لأنهما القيمتان الكفيلتان بجعل الناس يتغلبون على المصاعب والمتاعب وما يعانونه في واقع الحياة. التضامن والتآزر هما الكفيلان بالقضاء على التهميش وكل مظاهر الانحراف من إجرام وانحراف وتعصب وتطرف وإرهاب.